الأعضاء

السبت، 7 ديسمبر 2013



المقدمة
        في محاولة حثيثة للمساهمة في إثراء المكتبة الثقافية التاريخية، جاء هذا المختصر لكتاب الجوهر الثمين في سير الملوك والسلاطين، لمؤرخ من مؤرخي مصر في العصر المملوكي، هو ابن دقماق، ويأتي هذا الجهد المتواضع، لتبسيط المحتوى الثقافي للكتاب الذي يشتمل على العديد من الحوادث التاريخية في فترة زمنية طويلة، تبدأ من عصر الخلفاء الراشدين حتى زمن السلطان المملوكي الظاهر برقوق أول سلاطين المماليك البرجية في مصر.
      ولا شك أن كتب التراث تنماز بأصالتها وتنوعها، وتعد منهلا للعلوم والثقافة الإنسانية التي ينشدها الباحثون، لذلك فقد حظيت دائما بجل اهتمامهم، فسعوا إلى تحقيقها وطبعها ونشرها ، وذلك إيمانا منهم بأنها هي السبيل الوحيد لإنجاز أبحاثهم ودراساتهم، ولعل كتب التراث التاريخي كانت الأكثر حظا من غيرها في هذا المجال، وذلك لأنها تحتوي على العديد من المعلومات في شتى المجالات، فمع اهتمامها برصد الأحداث التاريخية، تلقي الكثير من الضوء، على شتى مناحي الحياة، حضاريا وثقافيا، فقد كشفت عن أحوال المجتمع فيما تعرضت له من فترات زمنية، ومن خلالها استطاع الباحث في التاريخ الإسلامي أن يميط اللثام عن العديد من الجوانب التي أفادت منها الدراسات الاجتماعية، كما كشفت عن العلوم وأنواعها وفروعها، والعمارة وفنونها وتطوراتها، فضلا عن النقوش والذخارف، وغيرها من الفنون.
      وقد بلغ اهتمام الباحثين بكتب التراث أوجه، فتفننوا في عرضها، والعكوف على دراستها، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فأعادوا نشرها في سلاسل متنوعة من الإصدارات، وفي هذا الإطار ظهر ما يعرف بالمختصرات لكتب التراث، فقام العديد من الأساتذة الباحثين ، بعمل مختصرات لهذه الكتب، بغية تبسيطها لطالبي العلم والثقافة والمعارف والدارسين المتخصصين وغير المتخصصين، فعمدوا إلى تنقيحها من كل ما هو غريب وشاذ، وغير مؤتلف مع ماتحتويه من مادة، وإن كان له مريديه من الباحثين، فعليهم بالرجوع إلى النصوص الأصلية، سواء كانت مخطوطة أو منشورة، وتعد هذه المختصرات، مع عدم الإخلال بالمحتوى، طريقة مثلى لنشر هذه الكتب والذخائر بين العامة والخاصة، لتصبح في متناول الجميع، فيقرأوا ما ورد فيها دونما تعفيداتٍ، أو غير ذلك من المعوقات.         
     ويعد الكتاب الذي بين أيدينا أحد المصنفات العديدة لابن دقماق، والتي لم يصل منها إلا أقل القليل، على ما سوف نوضحه في الترجمة له، والكتاب صورة مصغرة لما دأب عليه مؤرخو العصر المملوكي من الاستعانة بما سبقهم من مؤلفين، فيجتزأون منها ويجمعون أخبارهم، وكثيرا ما ينقلون دون نقد أو تحقيق لما ورد من أحداث، تاركين خلفهم إرثا ثقيلا يتحمله كل من أراد أن يعمل في هذا المجال، وما يؤكد ذلك، كثرة ما حوته هذه المؤلفات من خرافات نقلت كما هي، عن سابقيهم، وكذا ما ورد بها من أخبار لايمكن لذوي عقل أن يتقبلها، وربما حصلوا عليها سماعا من غيرهم بحجة أنهم من ثقات المحدثين، أو ما شابه ذلك. ومن هنا قام منهج الاختصار للكتاب على استبعاد بعض ما ورد من أساطبر لاتفيد القاريء في شيء، بل تبعده عن المحتوى الحقيقي للكتاب.   
      وكذا الاسترسال في وصف حدثٍ بلغةٍ ركيكةٍ ولهجةٍ أقرب إلى اللهجة العامية السائدة في زمن المماليك، وخاصة في الجزء الثاني من الكتاب، فقد دفعني ذلك إلى الاختصار غير المخل بموضوع الحدث، ودون البعد عن مقصد المؤلف ورؤيته وصياغته المعتادة.
    وما قصدت من وراء ذلك غير وجه الله سبحانه وتعالى، راجيا أن يجعله علما يُنتفع به، فأنال به ثواب الدنيا والآخرة.
 دكتور مصطفى دويدار


مؤلف الكتاب
هو صارم الدين , ابراهيم بن محمد بن أيدمر العلائي, المعروف بابن دقماق .
تدرج جده لأبيه عز الدين أيدمر أحد أمراء الناصر محمد بن قلاوون في وظائف الدولة المملوكية إلى أن ولي نقابة الجيوش المنصورة عوضا عن شمس الدين المهمندار (ت 732 هــــــــ )سنة سبع وعشرين وسبعمائة , وظل شاغلا لهذه الوظيفة إلى حين وفاته في سادس رجب سنة أربع وثلاثين وسبعمائة للهجرة .
وقد ولد مؤرخنا صارم الدين ابراهيم في حدود سنة 750 هــــــــ , ونشأفي طبقة أولاد الناس وتزي بزي الجند وتفقه على المذهب الحنفي , وأسند إليه قبيل وفاته إمرة دمياط فلم ينتج أمره فيها , وعزل وعاد إلى القاهرة , فمات بها ليلة الثلاثاء 22 ذي الحجة سنة 809 هــــــــ عن نحو ستين عاما .
ثقافته
طلب العلم وتفقه على جماعة , وأحب الأدب واشتغل به على الرغم من أنه لم يكن يجيد العربية , وكان عامي العبارة , ثم حبب إليه التاريخ فانكب بكليته عليه  حتى كتب فيه نحو مائتي سفر من تأليفه وغيره .
وقد أجمع من ترجموا له على أنه كان جميل العشرة فكه المحاضرة , كثير التودد , حافظا للسانه من الوقيعة في الناس , لا يذم أحدا من معارفه , بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمى به أحدهم , ويعتذر عنه بكل طريقة .
كما أشار المقريزي وابن تغري بردي والسخاوي إلى أنه كان عارفا بأمور الدولة التركية مذاكرا لجملة أخبارها , مستحضرا لتراجم أمرائها , ويشارك في أخبار غيرها مشاركة جيدة .
ونعته ابن حجر العسقلاني بمؤرخ الديار المصرية في زمانه وقال في صدر كتابه إنباء الغمر بأبناء العمر إنه اجتمع به كثيرا , وغالب ما ينقله في الأنباء من خط ابن دقماق , ومن خط ابن الفرات الحنفي , وعاد إلى توكيد ذلك في ذيل كتابه الدرر الكامنة من ترجمة.
كما أشار ابن تغري بردي في المنهل الصافي إلى أن تصانيفه جيدة مفيدة , واطلاعه كثير , واعتقاده حسن , ولم يكن عنده فحش في كلامه ولا في خطه .
وقد أخذ عنه كل من ابن الفرات الحنفي والتقي المقريزي والبدر العيني وابن إياس الحنفي وغيرهم , فكانت مؤلفاته مصدرا هاما في كتاباتهم التاريخية , حيث نقلوا عنه نصا وتلخيصا.

ليست هناك تعليقات: