الأعضاء

السبت، 7 ديسمبر 2013

مختصر كتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى


مختصر كتاب
وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى
تأليف
نور الدين علي بن أحمد المصري السمهودي نزيل دار الهجرة (ت:911هـ)
اختصار وتقديم
دكتور مصطفى علي دويدار



الجزء الأول
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تقديم

        في محاولة للمساهمة في إثراء المكتبة الثقافية التاريخية، جاء هذا المختصر لكتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى، لمؤرخ من مؤرخي مصر والمدينة المنورة في نهاية العصر المملوكي، هو السمهودي (ت: 911هـ).
        ويأتي هذا الجهد المتواضع، لتبسيط المحتوى الثقافي للكتاب الذي يشتمل على العديد من الحوادث التاريخية في فترة زمنية طويلة،ترصد تاريخ الدينة المنورة وخططها منذ بدء الخليقة حتى زمن الأشرف قايتباي وهي الفترة التي عاصرها السمهودي نفسه.
      ولا شك أن كتب التراث تنماز بأصالتها وتنوعها، وتعد منهلا للعلوم والثقافة الإنسانية التي ينشدها الباحثون، لذلك فقد حظيت دائما بجل اهتمامهم، فسعوا إلى تحقيقها وطبعها ونشرها، إيمانا منهم بأنها هي السبيل الوحيد لإنجاز أبحاثهم ودراساتهم، ولعل كتب التراث التاريخي كانت الأكثر حظا من غيرها في هذا المجال، وذلك لأنها تحتوي على العديد من المعلومات في شتى المجالات، فمع اهتمامها برصد الأحداث التاريخية، تلقي الكثير من الضوء، على شتى مناحي الحياة، حضاريا وثقافيا، فقد كشفت عن أحوال المجتمع فيما تعرضت له من فترات زمنية، ومن خلالها استطاع الباحث في التاريخ الإسلامي أن يميط اللثام عن العديد من الجوانب التي أفادت منها الدراسات الاجتماعية، كما كشفت عن العلوم وأنواعها وفروعها، والعمارة وفنونها وتطوراتها، فضلا عن النقوش والزخارف، وغيرها من الفنون.
      وقد بلغ اهتمام الباحثين بكتب التراث أوجه، فتفننوا في عرضها، والعكوف على دراستها، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فأعادوا نشرها في سلاسل متنوعة من الإصدارات، وفي هذا الإطار ظهر ما يعرف بالمختصرات التراثية، فقام العديد من الأساتذة الباحثين، بعمل مختصرات لهذه الكتب، بغية تبسيطها لطالبي العلم والثقافة والمعارف والدارسين المتخصصين وغير المتخصصين، فعمدوا إلى تنقيحها من كل ما هو غريب وشاذ، وغير مؤتلف مع ماتحتويه من مادة، وإن كان له مريديه من الباحثين، فعليهم الرجوع إلى النصوص الأصلية، سواء كانت مخطوطة أو منشورة، وتعد هذه المختصرات، مع عدم الإخلال بالمحتوى، طريقة مثلى لنشر هذه الكتب والذخائر بين الخاصة والعامة، لتصبح في متناول الجميع، فيقرأون ما ورد فيها دونما تعفيداتٍ، أو غير ذلك من المعوقات، فضلا عن أنها تعتبر بمثابة مفاتيح للباحثين، للتعرف على المصادر ثم البحث عنها لتحقيق أهدافهم وإشباع رغباتهم في الاستزادة من ماتحتويه من معلومات.        
     ويعد الكتاب الذي بين أيدينا أحد المصنفات العديدة للسمهودي، والتي لم يصل منها إلا أقل القليل، على ما سوف نوضحه في الترجمة له، والكتاب صورة مصغرة لما دأب عليه مؤرخو العصر المملوكي من الاستعانة بما سبقهم من مؤلفين، فيجتزأون منها ويجمعون أخبارهم، وكثيرا ما ينقلون دون نقد أو تحقيق لما ورد من أحداث، تاركين خلفهم إرثا ثقيلا يتحمله كل من أراد أن يعمل في هذا المجال، وما يؤكد ذلك، كثرة ما حوته هذه المؤلفات من خرافات نقلت كما هي، عن السابقين، وكذا ما ورد بها من أخبار لايمكن لذي عقل أن يتقبلها، وربما حصلوا عليها سماعا من غيرهم بحجة أنهم من ثقات المحدثين، أو ما شابه ذلك. ومن هنا قام منهج الاختصار للكتاب على استبعاد بعض ما ورد من أساطبر لاتفيد القاريء في شيء، بل تبعده عن المحتوى الحقيقي للكتاب؛ غير أن السمهودي تميز على مؤرخي هذا العصر بمنهجه النقدي المتميز الذي أعطى صورة رائعة للمؤرخ المدقق المجتهد.  
     وهذا ما سوف يتضح من خلال الحيث عن منهج السمهودي، وما قصدت من وراء ذلك غير وجه الله سبحانه وتعالى، راجيا أن يجعله علما يُنتفع به، فأنال به ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.

     الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّد ولد آدم محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين.


مؤلف الكتاب
     هو الإمام الحجّة الفقيه المؤرخ نور الدين أبو الحسن علي بن عبد الله بن أحمد الحسني الشافعي السمهودي؛ وفي بعض المصادر مثل تحفة المحبين لعبد الرحمن الأنصاري، وكشف الظنون لحاجي خليفة، سقط من اسمه عبد الله فقالوا علي بن أحمد،  مؤرخ المدينة المنوّرة ومفتيها. وقد تتبع السخاوي في التحفة اللطيفة نسب السمهودي حتى أوصله إلى الإمام علي بن أبي طالب عن طريق الفرع الحسني، ولقبه بالنور وكناه بأبي الحسن بن الجمال الحسني السمهودي القاهري، الشافعي ، نزيل الحرمين نزيل الحرمين وعالم طيبة؛ وقد سار ابن العماد في شذرات الذهب على درب السخاوي في ترجمته للسمهودي وربما نقل عنه.
    ولد في سمهود (بصعيد مصر، وهي الآن تابعة لمركز أبي طشت، بمحافظة قنا) سنة 844هـ /1440م، في عائلة اشتهرت بالعلم والقضاء والفقه ، فكان أبوه عبد الله وأخوه عبد الرحمن من فقهاء سمهود، وكان جده أقضى القضاة فيها، وينوب في القضاء في قوص على حد قول السمهودي نفسه في كتابه الوفا بما يجب لحضرة المصطفى،  ونشأ في القاهرة، واستوطن المدينة سنة 873 هـ . ومن هنا كانت نشأته في سمهود في هذا الجو العلمي، فبدأ بحفظ القرآن الكريم، ثم قرأ على والده كتاب منهاج الطالبين في الفقه الشافعي للنووي، مع شرحه للإمام الحافظ جلال الدين المحلي، وشرح البهجة الوردية لابن الوردي، عمر ابن المتوفي سنة749هـ، وجمع الجوامع للسبكي، وغالب ألفية ابن مالك، بل سمع على والده جل البخاري ومختصر مسلم للمنذري وغير ذلك، وقدم القاهرة معه وبمفرده غير مرة، أولها في الرابعة عشرة من عمره، سنة 858هـ، فلازم أولا الشمس الجوجري - شمس الدين محمد بن عبد المنعم الجوجري الفقيه النحوي (ت889هـ) - في الفقه وأصوله والعربية.
     واستمر السمهودي يتردد على القاهرة وأكابر علمائها في شغف إلى الإستزادة من فيض علمهم، وانتهى به المطاف إلى الإقامة في القاهرة لدراسة المذهب الشافعي حتى صار أحد أساتذته بعد إجادته، وكما يفهم من ترجمة السخاوي له في الضوء اللامع وكذا في التحفة اللطيفة أنه تزوج من القاهرة بابنة أحمد المصري الصبار وهي حفيدة أستاذه الشيخ المناوي الذي قلده عدة وظائف أجلها تدريس الحديث في جامع ابن طولون، والفقه بالمدرسة الصالحية، أسكنه بقاعة القضاة بها وَعرض عَلَيْهِ النِّيَابَة فَأبى ثمَّ فوض إِلَيْهِ حِين رُجُوعه مرّة إِلَى بَلَده مَعَ الْقَضَاء حَيْثُ حل النّظر فِي أَمر نواب الصَّعِيد، وَصرف غير المتأهل مِنْهُم، فَمَا عمل بِجَمِيعِهِ، ثمَّ إِنَّه استوطن الْقَاهِرَة مَعَ توجهه لزيارة أَهله أَحْيَانًا إِلَى أَن حج وَمَعَهُ والدته فِي ذِي الْقعدَة سنة 870هـ، فِي الْبَحْر وَكَاد أَن يدْرك الْحَج فَلم يُمكن، وجاور سنة 871هـ بكمالها وَالتقى السخاوي هُنَاكَ فَكثر اجتماعهما، وَكتب بِخَطِّهِ كتاب السخاوي (الابتهاج) وسَمعه منه، وَكَذَا سمع منه غَيره من التصانيف. وقال عنه السخاوي: "وَكَانَ على خير كثير"  وبعد أَن أدى فريضة الحجَ توجه  إِلَى المدينة المنورة سنة 873هـ، وسكن بها.
     وصاهر في المدينة النبوية بيت الزرندي، فتزوج السيدة رقية أخت محمد بن عمر بن المحب، الشمس الأنصاري الزرندي المدني الشافعي (ت:889هـ)، ثم فارقها وتزوج أخت الشيخ محمد المراغي ابنة الشيخ أبي الفرج وفارقها بعد موت أخيها. وشغل عدة وظائف بها فعمل بالتدريس بالحرم النبوي، كما عُين ناظرًا للمدرسة التي أنشأها السلطان الأشرف قايتباي في المدينة المنورة، فضلا عن الإشراف على المكتبة التي أوقفها عليها الأشرف؛ كما أشرف على توزيع الهبات والصدقات التي كان يرسلها الأشرف قايتباي، وغيره من الملوك والسلاطين والإمراء. ويقول السخاوي: "واستقر به الأشرف بعناية البدري أبي البقاء في النظر على المجمع بمدرسته وما به من الكتب التي أوقفها فيه وصار المتكلم في مصارف المدرسة المزهرية فيها مع الصرف له من الصدقات الرومية كالقضاة، وذلك مائة دينار وربما تنقص، وما أضيف إليه من التدريس مما وقفه ملك الروم وانقياد الأمير داود بن عمر له في صدقاته لأهل الحرمين حين حج بل واشترى من أجله كتبا وقفها.".
     وفي رمضان سنة 886هـ، انتقل من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة، قبل وقوع الحريق بالمدينة فسلم من هذه الحادثة، ولكن احترقت جميع كتبه وهي شيء كثير. وقد ذكر السمهودي ما يؤكد ذلك في الفصل التاسع والعشرين من الباب الرابع من هذا الكتاب، فيقول: " كنت تركت كتبي بالخلوة التي كنت أقيم بها في مؤخر المسجد، فكتب إلّي باحتراقها، ومنها أصل هذا التأليف وغيره من التاليف والكتب النفيسة نحو ثلاث مائة مجلد، فمنّ الله تعالى عليّ ببرد الرضى والتسليم، وفراغ القلب عن ذلك، حتى ترجحت هذه النعمة عندي على نعمة تلك الكتب لما كنت أجده قبل من التعلق بها؛ فلله الحمد والشكر على ذلك. هذا، مع ما منّ الله به علي من غيبتي عن هذا الأمر المهول؛ فإن وقوعه كان في ليلة الوصول إلى الحرم المكي، ولم يتفق لي منذ سكنت المدينة الخروج منها في رمضان، بل كنت ألازم المسجد النبوي فيه من أوله إلى آخره ليلا ونهارا، فكان ذلك سبب النجاة من هذا الأمر"، وذكر أيضا أنه سافر إلى مصر أثناء عمارة المسجد النبوي والحجرة المنيفة عقب وقوع الحريق، فيقول: "ومن الغريب أني كنت قد عزمت على التوجه إلى أرض مصر لزيارة والدتي وأهلي قبل الشروع في العمارة المذكورة، فلم أحضر شيئا من ذلك، ومن الله تعالى بالوصول إلى الوالدة والأهل، فتوفيت الوالدة بعد قدومي بعشر ليال، وكانت مدة غيبتي عن أهلي ستة عشر سنة، ثم منّ الله تعالى بالعود إلى المدينة الشريفة بعد تعويض ما تدعو الحاجة إليه من الكتب المحترقة".
     ويبدو أنه عاد إلى مصر مرة أخرى فدخلاها ولقي السلطان الأشرف قايتباي، فأحسن إليه بمرتب على الذخيرة. ثم توجه فزار بيت المقدس وعاد إلى القاهرة ثم إلى المدينة ثم إلى مكة فأدى فريضة الحج ، ولم يكن متزوجا بحيث اقتصر على السراري، فيقول السخاوي: " ثم رجع إلى المدينة مستوطنا مقتصرا على إماء. وابتنى له بيتا ولقيته في كلا الحرمين غير مرة وغبطته على استيطانه المدينة".
    توفي السمهودي في المدينة المنورة سنة 911 هـ (1506 م) ، ورغم تعدد زيجاته إلا أنه لم يتيسر له الإنجاب.
صفاته وعلمه:
     قال عنه السخاوي: "وبالجملة فهو إنسان فاضل متفنن متميز في الفقه والأصلين مديم العمل والجمع والتأليف متوجه للعبادة وللمباحثة والمناظرة قوي الجلادةعلى ذلك، طلق العبارة، فيه مغرم به، مع قوة نفس وتكلف خصوصا في مناقشات لشيخنا في الحديث ونحوه، وربما أداه البحث إلى مخاشنة مع المبحوث معه، وقد ينتهي في ذلك لما لا يطيق بجلالته ويتجرأ عليه من لم يرتق لوجاهته، ولو أعرض عن هذا كله لكان مجمعا عليه، وعلى كل حال فهو فريد في مجموعه، ولأهل المدينة به جمال والكمال لله. ولا زالت كتبه ترد علي بالسلام وطيب الكلام."
    وفي موضع آخر يقول السخاوي: " وكنت أول من نوه بمصنفه في ذلك، وقرظه بما لا يشتبه للسالك وكيف لا ؟ وهو عالم المدينة حسا ومعنى والقائم بالإرشاد للعلوم النقلية والعقلية بالحسنى بل هو أعلم من علمته الآن من دلال الجدير بإحياء معاهد جده سيد الخلائق ممن مضى وآل ولذا، جدد مكتومها وحدد رسومها وأراح من بعده واستراح من لم يجتهد جهده، وهو صاحبنا وحبيبنا السيد العلامة نور الدين الحسينى السمهودي ثم المدني الشافعي بارك الله في حياته وتدارك باللطف سائر مهماته". ولايحتاج كلام السخاوي تعليقا، فقد صحبه وخبر خصاله وصفاته، وتعامل معه عن قرب وتلقى رسائله وأخباره إذا افترق عنه وابتعد، وقد تتلمذ على يديه السمهودي وقتا، وقرأ عليه مصنفاته.
    أما ابن العماد الحنبلي فقال عنه في شذرات الذهب: " مفنن متميز في الأصلين والفقه، مديم العلم والجمع والتأليف، متوجه للعبادة والمباحثة والمناظرة، قوي الجلادة طلق العبارة، مع قوة يقين، وعلى كل حال فهو فريد في مجموعه". وقال عنه الشوكاني في البدر الطالع: " صادق اللهجة، غير مدخول الرواية، راوية بالأخبار، عالم بالآثار، بصير بالسير والمغازي، وأيام الناس، ثقة في كل ما يروي."
    كما أن السمهودي دخل مع بعض العلماء في عصره في منافسات وسباق علمي، فكان ممن نافسه في ذلك محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد: الشمس الجلال أبو السعادات المصري الأصل المدني الشافعي الرئيس بن الرئيس سبط إبراهيم بن علبك المدني ويعرف قديما بابن الخطيب،الذي توفي في منارة المسجد النبوي في الصاعقة التي أدت إلى الحريق آنف الذكر سنة 886هـ ، وعن هذه المنافسة يقول السخاوي: "ونافسه السيد السمهودي فكان بينهما ما يتحاكاه المدنيون". وعارضه البعض الآخر، مثل طوغان شيخ الأحمدي (ت: 881هـ) ناظر المسجد الحرام المكي الذي كان "يتفقه ويزاحم الفقهاء مع بلادة وعدم معرفة وأظهر مؤلفا أعانه فيه غيره عارض فيه السيد السمهودي في امتهان البسط المكتوب عليها وعدم احترامها كتب له عليه جماعة".
مشايخه وأساتذته:
     كان أول الذين تتلمذ على أيديهم السمهودي، والده، الذي حفظه القرآن في طفولته المبكرة، ثم قرأ عليه كتاب منهاج الطالبين في الفقه الشافعي للنووي، مع شرحه للإمام الحافظ جلال الدين المحلي، وشرح البهجة الوردية لابن الوردي، وجمع الجوامع للسبكي، وغالب ألفية ابن مالك، بل سمع على والده جل البخاري ومختصر مسلم للمنذري وغير ذلك؛ فكانت هذه العلوم هي نواة فكره وعلمه التي جعلته يتطلع إلى المزيد من المعرفة، كما أعطته أحاديث البخاري ومسلم، الدافع للقراءة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، والتعلق بأخبار المدينة المنور ومسجدها النبوي الشريف. وعندما انتقل إلى القاهرة، تتلمذ على عدد من أجل شيوخها وعلمائها، ومنهم :
1-  شمس الدين محمد بن عبد المنعم بن محمد الجوجري، ثم القاهري، الفقيه النحوي، ولد في جوجر أحدى قرى دمياط، سنة 821هـ وتوفى بالقاهرة سنة889هـ . وقد درس السمهودي على يديه، لفقه وأصوله، وقواعد اللغة العربية، وقرأ عليه جميع التوضيح لابن هشام، والخزرجية مع الحواش الأبشيطية وشرحه، والربع الأول من شرح البهجة للولي، وشرح شيخه المحلي قراءة لأكثره وسماعا لسائره مع سماع غالب شرح شيخه أيضا لجمع الجوامع.
2-  القاضي شرف الدين أبو زكريا يحيى بن محمد بن أحمد الحدادي المناوي الفقيه الأصولي، والمحدث الإخباري، (871هـ) وهو أحد الشيوخ الذين أكثر السمهودي ملازمتهم، فيقول السخاوي: "وكان كثير التردد على المناوي وكان مما أخذه عنه: تقسيم المنهاج مرتين، والتنبيه، والحاوي، والبهجة بفوت يسير في كل منهما، وجانبا من شرح البهجة، ومن شرح جمع الجوامع كلاهما لشيخه، وقطعة من حاشيته على أولهما، ومما كتبه على مختصر المزني في درس الشافعي، وعلى المنهاج في درس الصالحية، ومما قرأه عليه بحث قطعة من شرح ألفية العراق، ومن بستان العارفين للنووي، وجميع الرسالة للقشيري، وسمع عليه المسلسل بشرطه، والبخاري مرارا بأفوات وقطعة من مسلم ومن مختصر جامع الأصول للبارزي ومن آخر تفسير البيضاوي وألبسه خرقة التصوف".
3-  ابن قاضي عجلون وهو أبو عبد الله، نجم الدين محمد بن عبد الرحمن الزرعي الدمشقي، الشافعي، المتوفى سنة876هـ . قرأ السمهودي عليه بعض تصحيح المنهاج.
4-  الشمس البامي، محمد بن أحمد بن محمد بن الفقيه بن الشهاب المخزومي الشافعي المتوفى سنة885هـ، قرأ عليه السمهودي قطعة من شرح البهجة وحضر تقاسيمه في المنهاج.
5-  على الزين زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاري السنيكي ( نسبة إلى سنيكة إحدى قرى محافظة الشرقية بين بلبيس والاسماعيلية) ثم القاهري الأزهري زين الدين أبويحيى، عالم الفقه والفرائض والتفسير والتجويد والقرآت والحديث، والنحو والمنطق، المتوفى سنة926هـ، قرأ عليه السمهودي شرح المنهاج الأصلي للأسنائي، وشرحه على منظومة ابن الهائم في الفرائض
6-  شمس الدين محمد بن شهاب الشرواني، قرأ عليه السمهودي، شرح عقائد النسفي للتفتازاني، بل سمعه عليه ثانية، وغالب شرح الطوالع للأصفهاني، وسمع عليه الآلهيات بحثا بمكة، وقطعة من الكشاف، وغالب مختصر سعد الدين على التخليص، وشيئا من المطول ومن العضد شرح ابن الحاجب، ومن شرح المنهاج الأصلي للسيد العبري وغير ذلك.
7-  شيخ الإسلام القاضي، صالح بن عمر بن رسلان، العلمي البلقيني من علماء الحديث والفقه، المتوفى 868هـ، حضر عنده السمهودي دروسه في قطعة الأسنائي .
8-  محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الكمال القاهري الشافعي المتوفى 876هـ ، " إمام الكاملية " درسا وألبسه الخرقة ولقنه الذكر.
9-  السعد بن الديري: سعد الدين سعد بن محمد ابن عبد الله أبو السعادات، النابلسي المقدسي، المتوفى سنة 867هـ، قرأ عليه السمهودي في عمدة الأحكام بحثا سنة 861هـ، وأذن له في التدريس.
10- عثمان بن صدقة بن محمد الدمياطي الشارمساحي الذي أذن له في الإفتاء المتوفى سنة 889هـ ، بعد امتحانه له في مسائل ومذاكرته معه.
     وإذا كان هؤلاء الشيوخ الأجلاء قد أسسوا علمه وثقافته، وخلقوا منه عالما محققا، وفقيها شافعيا بارعا، فإن السمهودي امتاز بنهمه إلى العلم والمعرفة، فقد بدى لنا حرصه على الاستفادة من كل أستاذ يلتقي به أينما حل على بلد أومدينة يرتادها العلماء، فعندما ذهب إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة إلتقى هناك بعدد من العلماء، فقرأ عليهم وتتلمذ على أيديهم. وقد سبقت الإشارة إلى أقوال السخاوي، عن ما كان يربطهم من علاقة صداقة، فكانا يلتقيان كثيرا وخاصة في مكة المكرمة، وقد استفاد السمهودي من هذه اللقاءات فقرأ عليه العديد من مؤلفات السخاوي ومنها مصنفه المعروف باسم المنهاج، الذي قام السمهودي بنسخه وقراءته على السخاوي.
     وكان من بين هؤلاء العلماء الذين التقى بهم أيضا: شهاب الدين أحمد بن اسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن برية الأبشيطي، نسبة إلى قرية أبشيط من قرى المحلة الكبرى بمحافظة الغربية، والمتوفي سنة 883هـ ، فقد لازمه السمهودي في مكة والمدينة، وحضر دروسه في المنهاج، وسمع عليه جانبا من تفسير البيضاوي، وشرح البهجة، كما سمع عليه بحثا توضيح ابن هشام، فضلا عن تصانيف الأبشيطي نفسه، التي قرأها عليه السمهودي، فسمح له بالتدريس. ومنهم أيضا: عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن صالح بن إسماعيل: عفيف الدين وجمال الدين بن القاضي زين الدين وناصر الدين أبي الفرج بن الشيخ تقي الدين الكناني المدني الشافعي أخو القاضي فتح الدين أبي الفتح محمد قرأ عليه السمهودي أشياء وروى له عن أبيه عن جده عن داود الشاذلي مصنفه "البيان والانتصار في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم المختار". وهناك العديد من العلماء الذين التقى بهم السمهودي وقرأ عليهم، وانتفع بعلمهم.
مؤلفاته:
1-    وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم: وهو الكتاب الذي بين أيدينا.
2-    اقتفاء الوفا بأخبار دار المصطفى
3-     خلاصة الوفاء: اختصر به الأول.
4-    الوفا بما يجب لحضرة المصطفى.
5-    دفع التعرض والإنكار لبسط روضة المختار.
6-    جواهر العقدين: في فضل العلم والنسب.
7-    الفتاوى: وهي مجموع فتاواه.
8-     الغماز على اللماز: رسالة في الحديث.
9-     درّ السموط: رسالة في شروط الوضوء.
10-                  الأنوار السنية في أجوبة الأسئلة اليمنية.
11-                  العقد الفريد في أحكام التقليد.
12-                  اللؤلؤ المنثور في نصيحة ولاة الأمور.
13-                  الإفصاح في شرح الإيضاح.
14-                  أمنية المعتنين بروضة الطالبين.
15-                  القول المستجاد في شرح كتاب أمهات الأولاد.
16-                  الأنوار السنية في جواب الأسئلة اليمنية.
17-                  شفاء النفوس لحكم ما يكثر بيعه في الأسواق.
18-                  نصيحة اللبيب في زيارة الحبيب.
     وغيرها. والواقع أن السخاوي ذكر له 38 مؤلفا ما بين رسالة وكتاب، غير أن السمهودي كان غزير التأليف ، وقد احترق عدد كبير من مؤلفاته في حريق المدينة المنورة كما تقدم.
تلاميذه:
     لقد عمل السمهودي بالتدريس في غير مدرسة وحلقة درس، فكان له تلاميذه في مصر والحجاز، وقد سبقت الإشارة إلى ما كان يتمتع به من دراية بالعلوم النقلية من فقه وحديث ونحو وأدب وغيرها، وقد استقر في المدينة المنورة  " وصار شيخها قل أن لا يكون أحد من أهلها لم يقرأ عليه". وقد رصدت المصادر التي ترجمت وأرخت له عددا من تلاميذه، منهم:
1-  إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن محمد البرهان أبو إسحاق بن الشمس الخجندي المدني الحنفي سبط أبي الهدى بن التقي الكازروني المتوفي سنة 897هـ، فقد أخذ عن السمهودي في شرح العقائد.
2- أحمد بن الحسين بن محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم - الشهاب - بن البدر المكي الأصل الشافعي نزيل طيبة وشقيق علي وسبط أبي الخير بن عبد القوي ويعرف - كأبيه - بابن – الغُليف المتوفي سنة 926هـ ، فقد درس على السمهودي علم العروض وغيره.( وترق في النظم بحيث قرظ له بعض ذلك السيد السمهودي).
3-  أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الشهاب بن الشمس المصري الأصل المدني الشافعي، المتوفى سنة922هـ . فقد أخذ عن السمهودي وفهم، كما درس في الشام على البرهان الناجي وكان من ملازمي السمهودي.
4- أحمد بن محمد بن عبد العزيز بن مسعود الشهاب أبو العباس بن الجمال الطيب البكري الصديقي القاهري الطنتدي الأصل اليمني الزبيدي الشافعي ويعرف بالطنتداوي. توجه إلى المدينة النبوية فحضر عدة من دروس الشريف السمهودي.
5-  أحمد بن محمد بن محمد بن محمد تقي بن عبد السلام بن الشيخ محمد بن روزبة الشهاب بن الشمس بن فتح الدين أبي الفتح الكازروني الأصل المدني الشافعي المتوفى في حدود سنة 920هـ ، وقد لازم السمهودي بل قرأ عليه البخاري في سنة 883هـ.
6- خليفة بن عبد الرحمن بن خليفة بن سلامه أبو سعيد وأبو عثمان المثناني ثم البخاري المالكي كان يحضر بالمدينة فلازم فيها السمهودي حتى حمل عنه كتابه الأوسط الذي هو الأكبر الآن في تاريخ المدينة ومعانا قراءة وسماعا.
7- عبد السلام بن الشرف محمد بن التقي بن صالح: العز المدني الشافعي شقيق الكمال أبي البركات محمد ويعرف بابن شرف الدين وحضر عند السمهودي والبلبيسي وغيرهما.
8-  عمر بن عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي الفرج الزرندي: المدني الشافعي، حضر دروس عبد الحق السنباطي والسمهودي والشمس البلبيسي وابن قرنبة في الفقه والعربية.
9-  محمد بن أحمد بن طاهر بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الشمس بن جلال الدين: المدعو جلال بن الزين بن العلامة جلال الدين الخجندي الأصلي المدني الحنفي ويعرف بابن جلال، أخذ الأصلين عن السمهودي قرأ عليه شرح جمع الجوامع لشيخه المحلي وشرح العقائد ومما أخذ عنه في العربية وغيرها.
10-  محمد بن عبد الله بن محمدبن عبد الوهاب بن علي بن يوسف المجد بن الجمال بن فتح الدين أبو الفتح الأنصاري: الزرندي المدني الحنفي فقد أخذ عن السمهودي في أصول الدين واللغة العربية وغيرها.
11-  محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن حسين: الشمس بن الزين المدني الشافعي سبط النور علي بن عبد الرحمن بن حسين بن القطان (ت:930هـ) الذي لازم السمهودي وأخذ عنه.
      والواقع أن هؤلاء التلاميذ يمثلون مجموعة صغيرة من قائمة طويلة عدد بعضهم السخاوي في كتابيه التحفة اللطيفة والضوء اللامع، والأمر يحتاج إلى دراسة متأنية للوقوف على تلاميذ هذا الشيخ الجليل والعالم المتقن نور الدين علي السمهودي، للتعرف على انتاجهم العلمي وأثر السمهودي فيما قدموه من مؤلفات ورسائل في سائر العلوم الشرعية والعقلية والنقليلة.
كتاب وفاء الوفا ومنهج المؤلف:
     إن  كتاب "وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى" هو واحد من أهم المؤلفات في تاريخ المدينة المنوّرة مدينة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وهو كتاب اختصره مؤلّفه من كتاب آخر له بعنوان «اقتفاء الوفا بأخبار دار المصطفى صلّى الله عليه وسلّم». اختصره مع توسّط غير مفرط كما يقول في مقدمة الكتاب.
     ولما كان كتاب وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى من أهم المصنفات في تاريخ المدينة المنورة وخططها، فقد لاقى اهتماما كبيرا من المهتمين بالتراث الإنساني وخاصة الباحثين في التاريخ، فضلا عن أولئك الذين يهتمون بتاريخ الإسلام وعاصمة دولته الأولى، ولذلك فقد نشر الكتاب أكثر من مرة، إلى أن قام الدكتور قاسم السامرائي بتحقيقه ونشره سنة 2001م، عن دار الفرقان بمكة المكرمة والمدينة المنورة، غير أن المرة الأولى التي نشر فيها سنة 1908م، عن مخطوطة مجهولة، نشرته مطبعة الآداب والمؤيد في جزءين، ثم أعاد الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد نشره في في القاهرة أيضا ولكن في أربعة أجزاء سنة 1955م، وقد أعيد طباعته على هذه النشرة أكثر من مرة في القاهرة وبيروت. ثم أعاد نشره خالد عبد الغني محفوظ سنة 1419هـ/ 1998م، وهذه الطبعة مطابقة تماما لطبعة الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد ، وكأنه نسخها وأعاد نشرها.
     وقد حظي السمهودي وكتابه وفاء الوفا باهتمام الباحثين، فقامت الباحثة هدى محمد سعيد سندي بتقديم أطروحتها لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، سنة 1999م، بعنوان (موارد السمهودي ومنهجه التاريخي في كتابه وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى)، وهو عمل جيد ناقشت فيه الباحثة عدد من النقاط الهامة عن الحياة العلمية في زمن السمهودي، كما تحدثت عن المؤرخين الذين سبقوا السمهودي في التأريخ للمدينة المنورة، وكذا تحدثت عن سيرة السمهودي ومنهجه ومصادره، ومصنفاته.
    وفي تحقيق الدكتور قاسم السامرائي لوحظ إسرافه في تسفيه النشرات السابقة للكتاب، وتقليله من الجهد الذي بذله الآخرون فجاء ذلك على حساب التحقيق العلمي على الرغم من جمعه لعدد كبير من النسخ المخطوطة للكتاب، وراح يعدد انجازاته الشخصية، في جمع هذه المخطوطات، والبحث عن مصادر السمهودي، ولم ينسى أن ينتقد الناشرين لكل هذه المصادر، غير أنه بلا شك بذل جهدا رائعا في إتمام عمله لإخراج تحقيقه.
     وقد اعتمدنا هنا على نسختين منشورتين من الكتاب؛ الأولى التي نشرها الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد، والثانية التي نشرها الأستاذ خالد عبد الغني محفوظ، والواقع أن السمهودي اعتمد في صياغة كتابه على عدد هائل من المصادر التاريخية، سواء بالنقل المباشر منها أو عن طريق وسيط، ويقول الدكتور قاسم السمرائي في مقدمة تحقيقه: " إن المصنف كان يختصر في الغالب الخبر إذا أشار إلى مصدره، أو أنه كان يقتبس من بعض المصادر حرفيا دون عزوٍ لما يقتبس ، ومن ثم كان يتبنى الخبر أو آراء المصنفين، ومناقشاتهم ويسردها مع كلامه ومناقشاته، فتظهر للقاريء وكأنها من تحبيره وهي لغيره، أو أنه يتصرف في النص فيسقط بعض كلماته ويغير بعضها، أو أنه لم يحسن قراءة النص، كما فعل في نقله من كتاب أخبار المدينة لابن شبة، أو أنه يقتبس حرفيا من مؤلف سبق له الاقتباس من مؤلف آخر فأجرى الأخير على النص تغييرًا أو اختصارًا فينقله السمهودي وكأنه ينقل من المصدر الأصلي مباشرة". 
   والحقيقة أن هذا يتناقض مع ماورد عند علماء عصره، بل مع الدكتور قاسم السامرائي نفسه، الذي نقل أقوال هؤلاء العلماء والمؤرخين ورأيهم فيه، فقد كان السمهودي ناقدًا، بارعًا متقصيا، مدققا لكل خبر يقف عليه، فكان تصديه لتاريخ المدينة جامعا ومحققا، حتى أوفى على الغاية من ذلك دليلا ناصعا على حبه الدافق، لهذه المدينة المقدسة، ولذلك كان يقابل النصوص بعضها ببعض، ويخضعها للنقد، فهو لا يقبل أقوال ابن حجر والمطري وغيرهم ، فيفندها ويأولها ويرفضها أحيانا، بعد معارضتها بأقوال غيرهم من المؤرخين، وبعد أن يأتي برواية أخرى دليلا لترجيح وجهة نظره يعرضها بعد قوله (قلت). ولا تخلوا صفحة من صفحات كتابه من رأي له استخلصه بعد جهد، وقراءة ، وتحليل للنصوص. ولا يجد غضاضة في إثبات ما وقع فيه المؤرخين من أخطاء، فيكشف وهم من أخطأ.
     كما أنه لم يترك شاردة أو واردة تتعلق بالمدينة المنورة من قريب أوبعيد إلا ذكرها، بل إنه لم يترك مصدرا من المصادر إلا واعتمد عليه في صياغة تاريخها، وهو الأمر الذي لم يتمكن مؤرخ من مؤرخي المدينة قبله ولا بعده أن يفعله.
     بل إنه كان شديد الحرص على المشاهدة العينية للآثار والمواقع التي يكتب عنها، فنجده يكتب وصفا دقيقا لمشاهداته، ويعطي صورة حقيقية لهذا الموقع أو ذاك، مسجلا ما وجد من كتابات أثرية، وموضحا أنواع البناء وطرائقه، مستعينا بآراء المؤرخين والأثريين وغيرهم، ويحدد هذا الموقع عن طريق تحديد المسافة بينه وبين المواقع الشهيرة القريبة منه.
    أما فيما يتعلق بما وقع في زمنه من أحداث، فكان يعتمد على مشاهداته اليومية ومشاركته في صنع هذه الأحداث، أو يعتمد على من يثق في أمانته من شهود العيان، وسوف نوضح ذلك عند اختصار الفصول المتعلقة بالحريق الذي أصاب المدينة والمسجد النبوي والحجرة المنيفة في زمنه والتي سبق الإشارة إليه عند الحديث عن سفره من المدينة إلى مصر. حتى أنه دون ذلك بعد فراغه من هذا الكتاب، وذكر ذلك نصا في خاتمته.
    ومما تقدم نستطيع القول أن السمهودي قام بدور المؤرخ المتخصص، وانتهج اسلوبا علميا راقيا تجاوز به حدود عصره، فلم يقف عند حد استقصاء واستخلاص وإعادة صياغة الحوادث الروايات بعد تهذيبها واختصارها بما يخدم أهدافه العلمية دون تزييف أو تحريف، بل قام مقام المحقق المدقق المتمكن، والناقد البارع، والباحث الأريب، شأنه في ذلك شأن علماء المدارس العلمية الحديثة المتخصصون في البحث العلمي، ومن هنا بات من الضروري دراسة منهج السمهودي دراسة متأنية لما في ذلك من النفع الوفير، بل إنه من خلال ذلك يمكن الإضافة إلى النظريات العلمية الحديثة من خلال فكره الراقي المتميز.
مصادره:
    الحقيقة أن السمهودي اعتمد على مكتبة ضخمة في شتى المجالات بحيث لايسهل على أي باحث أن يحصي ما اعتمد عليه من مصادر، وهي متعددة ومتنوعة، ما بين مصنفات تاريخية وأخرى جغرافية، وكتب السيرة والطبقات، والتراجم، والوفيات، والخطط والآثار،واللغة والأدب وكذا كتب العقيدة والحديث والتشريع وغيرها، ومنها:
أولا : كتب التاريخ
1-  مختصر السيرة النبوي: لابن جماعة، عز الدين أبو عمر عبد العزيز بن محمد الكناني الحموي(ت: 767هـ).
2-   السيرة النبوية: للبدر بن جماعة، بدر الدين محمد بن سعد، الكناني الحموي (ت: 733هـ).
3-  التنوير في مولد السراج المنير: لابن داحية، عمر بن الحسن بن علي بن محمد أبو الخطاب الأندلسي (ت: 633هـ).
4- إتحاف الزائر وإطراف المقيم والزائر: لابن عساكر، عبد الصمد بن زين الأمناء أبي البركات الحسن بن محمد بن هبة الله بن عساكر الدمشقي الشافعي (ت: 686هـ).
5-  أخبار المدينة أو تاريخ المدينة: لآبن شبة، عمر بن زيد (شبة) بن عبيدة بن ريطة النميري ، البصري ، البغدادي (ت: 262هـ ).
6-  بهجة النفوس والأسرار في تاريخ دار هجرة المختار : للمرجاني، عبد الله بن محمد  بن عبد الملك البكري، التونسي الأصل (ت: 699هـ).
7- الوقاية الموضحة لشرف المصطفى: للخطيب بن جملة، جمال الدين محمود بن محمد بن ابراهيم بن جملة (ت: 764هـ).
8- نصيحة المشاور وتعزية المجاور : للبدر بن فرحون، عبد الله محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري التونسي الأصل المدني المولد والمنشأ. (ت: 769هـ).
9-  الحدائق الغوالي في قباء والعوالي: للكازروني، أحمد بن مسدد بن محمد بن عبد العزيز المدني الشافعي (ت: 887هـ).
10-     الدرة الثمينة في أخبار المدينة : لابن النجار، أبي عبد الله محب الدين، محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن النجار البغدادي (ت: 643هـ)
11-                فضائل المدينة: للمقضل الجنيدي، أبو سعيد المفضل بن ابراهيم الجندي الشعبي (308هـ).
12-                التعريف بما أنست الهجرة من معالم دار الهجرة: للمطري، أبو عبد الله، جمال الدين محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي الأنصاري المدني المطري (ت: 741هـ).
13-     المختصر في سيرة سيد البشر: للدمياطي، شرف الدين عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن الدمياطي الشافعي (ت: 705هـ).
14-     تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة: للمراغي، زين الدين ، أبي بكر بن عمر القرشي العثماني (ت: 816هـ).
15-     المغانم المطابة في معالم طابة : للفيروزأبادي، أبو طاهر مجد الدين بن يعقوب بن محمد بن ابراهيم الشيرازي (ت: 817هـ).
16-                السيرة النبوية : لابن هشام، أبو محمد،عبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري (218هـ).
17-     السيرة النبوية لابن شهاب الزهري، محمد بن مسلم عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، المدني (ت 124هـ).
18-     كتاب المغازي : لموسى بن عقبة، الأسدي، القرشي، المدني، مولى آل الزبير بن العوام (ت:141هـ).
19-                كتاب السيرة :لابن إسحاق، محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي، المدني (ت: 151هـ).
20-                كتاب المغازي، ليونس بن بكير بن واصل، أبو بكر الشيباني الكوفي (ت199هـ).
21-                كتاب المغازي: للواقدي، محمد بن عمر الواقدي (ت: 207هـ).
22-                كتاب الحرة: للواقدي أيضا.
23-                جوامع السيرة: لابن حزم، أبو محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري (ت:456هـ).
24-                دلائل النبوة والسنن والآثار: للبيهقي، أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي (ت: 458هـ).
25-     الدرر في اختصار المغازي والسير لابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد النميري القرطبي (ت: 463هـ).
26-                تاريخ المدينة: لابن زبالة، محمد بن أبي الحسن المخزومي القرشي المدني، (ت: 200هـ).
27-     أخبار المدينة وجبالها وأوديتها: للمدائني، أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الله.  (ت:225هـ).
28-     الأنوار في شمائل النبي المختار للبغوي، أبو محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي (ت:510هـ).
29-     الشفا بالتعريف بحقوق المصطفى: للقاضي عياض بن موسى اليحصبي السبتي الأندلسي المالكي (ت: 544هـ).
30-                الروض الآنف : للسهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد الأندلسي (581هـ).
31-     الوفاء في فضائل المصطفى صلى الله عليه وسلم: لابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي البغدادي التميمي البكري (ت: 597هـ).
32-     عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لابن سيد الناس، محمد بن محمد، أبو الفتح اليعمري، الأندلسي (ت: 734هـ)
    وهناك العديد من المصادر التاريخية التي اعتمد عليها السمهودي، ومنها تاريخ الواقدي، وتاريخ ابن خياط، وأخبار مكة للأزرقي، وتاريخ الطبري، والمعارف لابن قتيبة، وكتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر للمسعودي؛ والكامل في التاريخ لابن الأثير؛ وكتاب مرآة الجنان لليافعي؛ وكتاب شفاء الغرام في أخبار البلد الحرام، للفاسي؛ وطبقات ابن سعد؛  والعبر في خبر من غبر للذهب. وغيرها.
ثانيا: كتب الجغرافيا
     فتوح البلدان: للبلاذري (ت: 297هـ).ورحلة ابن جبير(ت:614هـ)؛ وكتاب أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم: للبشاري(ت:390)؛ ومعجم ما استعجم من أسماء البلاد والمواضع: للبكري (ت487هـ)؛ وكتاب معجم البلدان: لياقوت الحموي(ت: 626هـ).
ثالثا: كتب الفقه والأحاديث
الموطأ: للإمام مالك (ت197هـ) ؛ كتاب الأم : للإمام الشافعي (ت:204هـ) ؛ كتاب تنزيل السكينة على قناديل المدينة : للسبكي (ت: 771هـ). ولا يتسع المجال هنا لاستقصاء كل ما اعتمد السمهودي عليه فنكتفي بم أثبتناه، والله الموفق.
    وبعد فهذا مبلغ علمي وجهدي في التعرف على الكتاب ومؤلفه، وأسأل الله عز وجل أن أكون قد وفقت في نقل صورة وافية تفيد القاريء، وينتفع بها الباحث، متمنيا أن يكون قربة إلى الله عز وجل وحبا في رسوله الكريم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه أزكى الصلاة وأتم التسليم، والله ولي التوفيق.

ليست هناك تعليقات: